ملخص البحث:
اعتمدت منهجية بحث استقصائية وتحليل المعلومات وفق سير الأحداث وشهادات متضررات، ويهدف البحث إلى إعطاء صورة عن دراسة حالات النساء اللواتي تعرضن للأذى من قبل تنظيم الدولة (اختطاف، حجز حرية، اغتصاب،…).
خلال البحث المستمر عن حالات اختطاف واغتصاب لنساء سوريات من قبل (تنظيم الدولة) استطعنا الوصول إلى أربع حالات، كل واحدة منهن من قرية مختلفة عن الأخرى، لكن كانت المعاناة واحدة، هناك الكثير من النساء اللواتي تعرضن للاختطاف، وما يزال مصيرهن مجهول حتى اللحظة، ومنهن من عادت إلى مدينتها أو قريتها، لكن صعوبة الوصول إليهن والبيئة المجتمعية المحافظة التي ترفض طرح هذا النوع من القضايا على المجتمع بأكمله، منعتنا أن نبحث أكثر عن نساء تعرضن) للاختطاف والاغتصاب من قبل مقاتلي التنظيم الأجانب، أو ما يطلق عليهم لقب “المهاجرون”
يتحدث البحث عن نساء كنّ زوجات لمقاتلين في صفوف المعارضة “الجيش الحر” وبعد معارك طاحنة سيطر فيها (تنظيم الدولة) على قرى ريف حلب، ليبدأ البحث عن نساء كنّ زوجات لمقاتلين من “الحر”، الذي اعتبر التنظيم زواجهم عبارة عن علاقة زنا، وأن جميع المقاتلين في “الجيش الحر” هم مرتدون وكفار، حسب زعمهم، وهذا ما جاء في إحدى المقالات التي نشرت في مجلة “دابق” عام 2015 والتي كتبته إحدى أهم نساء التنظيم، وتدعى “أم سمية المهاجرة” تحت عنوان: (لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ).
اثنتان من النساء استطعن الفرار من أماكن تواجد التنظيم والعودة إلى أهلهن بعد مضي أكثر من سنة ونصف على غيابهن، أما الأخريات، فلم يحالفهن الحظ للعودة إلى ديارهن، واكتفى أشخاص مقربين منهن بالتحدث عما جرى لهن أثناء سيطرة التنظيم، وكيف اختطفهن؟
جميعهن تحدثن عن دور كتيبة الخنساء “الحسبة النسائية”، التي كانت تقوم بدورها بمعاقبة النساء وتشرف على تعذيبهن ومحاسبتهن.
كتيبة الخنساء.. المنشأ والتكوين
تشكلت الكتيبة في 2/2/2014، وكانت فكرة تشكيل الكتيبة قائمة من قبل، ولكن ما عجَّل بها هو ما حدث على حاجز السباهية غرب المدينة، حيث قتل ثلاثة عناصر من التنظيم، كما قتل أربعة آخرون على حاجز المشلب شرق المدينة على أيدي مجهولين يرتدون لباساً نسائياً، ويغطون وجوههم بالبراقع. وخوفاً من تكرار العملية، سرَّعت “أم ريان” الخطوات التنفيذية لتشكيل الكتيبة.
“أم ريان” مهاجرة تونسية سمراء البشرة، وذات قوام ممشوق ورياضي رغم سنواتها الـ47. جاءت مع عائلتها من العراق، بعد أن زوّجت ابنتيها إلى قياديين في التنظيم، وهما من زكيّاها لتشكيل كتيبة الخنساء بالرقة، وتعتبر من أقوى النساء في صفوف التنظيم.
تم تشكيل الكتيبة التي شملت عدّة جنسيات نسائية، وتطورت لتصبح جزءاً من ديوان الحسبة، وتوسع نطاق عملها وزادت مهامها ووظائفها، وباتت المعنية بشؤون المرأة داخل التنظيم، فهي تعمل في مجالات الإعلام والتعليم والدعوة والمساجد والأمن والتحقيقات وإقامة الحدود.
تشارك الكتيبة أحياناً في العمليات القتالية من خلال الخدمات الطبية وإعداد الطعام، وتشرف على إدارة كتيبة الخنساء مجموعةٌ من النساء المهاجرات من دول عديدة ( أوروبية، عربية، إسلامية)، بالإضافة إلى النساء المحليات من العراق وسوريا.
تعتبر أدوار المرأة الأساسية بحسب رؤية التنظيم أدواراً إسنادية لوجستية، تتمثل في بناء الأسرة وتربية الأطفال، وإعداد “جيل جهادي” من أشبال الخلافة، لكن التنظيم أصدر بيانات ووثائق تؤكد على دور المرأة القتالي، ومشاركتها في العمل “الاستشهادي”.
النساء اللواتي تمت مقابلتهن، أجمعن كذلك على أن الذهاب إلى السوق أصبح أمراً مرعباً للغاية، وهذا بسبب تواجد “كتيبة الخنساء” التي تلاحق الفتيات بحجة المخالفة، وأخرى للبحث عن زوجات للمقاتلين، وبالأخص الأجانب “المهاجرون”.
قبل سيطرة تنظيم الدولة على قرى ومدن سوريا لم يكن هناك أي تدخل بشؤون النساء من قبل الفصائل المسيطرة أو حتى قبل خروجها عن سيطرة النظام، لكن التنظيم بعد فرض سيطرته على عدة قرى ومدن سوريا، كانت أول قراراته في بادئ الأمر ضد النساء، وفرض عليهن ( الحجاب، النقاب، كفوف، لباس أسود فضفاض).
ربما نستطيع هنا فهم ما حصل لبعض النساء اللواتي تحدثن عن اختطافهن، بحجة اللباس الشرعي.
من هنّ النساء:
تتراوح أعمار النساء اللواتي تم اختطافهن ما بين 18 و28 سنة، وجميعنّ كنّ متزوجات من رجال يعملون ضمن صفوف “الجيش الحر” (باستثناء حالة منهن كانت عزباء)، وكذلك لم يكن لديهن أطفال (سوى واحدة كان لديها طفل واحد لم يتجاوز السنة من عمره).
يوجد اثنين من النساء اللواتي تم اختطافهن استطعنا العودة إلى أهلهن، وتحدثنا بما حصل معهم خلال المدة التي اختفوا فيها.
لم يتم اختطاف النساء من قرية واحدة، وليس لهن معرفة سابقة ببعضهن، جميع النساء اللواتي تعرضن للاختطاف كانوا ينحدرون من قرى ريف حلب الشمالي والشرقي (ومن بينها تل حجر، بزاعة، دابق، قباسين).
جميع النساء ضمن التقرير كن ضحايا العنف الجنسي، خلال فترة النزاعات بين الفصائل على الأرض في سوريا، كما يرد بالجزء الخلفي قصص لكل حالة من الحالات لهؤلاء النساء.
شرعنة التنظيم لاختطاف النساء “الحر” واغتصابهن تحت مسمى “الزواج”
في المقال الذي كتبته إحدى أهم النساء في التنظيم والتي تدعى “أم سمية المهاجرة”رسالة واضحة محرضة على النساء اللواتي كنّ متزوجات من مقاتلي”الجيش الحر”،وهو ما دفع بعض عناصر التنظيم إلى اختطاف نساء واحتجازهنّ بحجة أنهن “حلال”، وأن عليهن الهجرة واتباع “المجاهدين”، كما حصل مع النساء ضمن البحث الذي أجري في قرى ريف حلب الشمالي و الشرقي، التي دارت فيها المعارك بين فصائل المعارضة “جيش الحر” وتنظيم الدولة، وسيطر الأخير عليها بعد منتصف عام 2014.
بعد سيطرة التنظيم على هذه القرى، حصلت حالات اختطاف واحتجاز قسري النساء اعتبرن أنهنّ زوجات “مرتدين وكفار”، وأن علاقتهن غير شرعية، ليشرع عناصره عقب ذلك إلى اختطاف زوجات مقاتلي المعارضة، وأجبرن على الزواج، وتم إخفائهن عن الأنظار.
توصل البحث، إلى أن جميع النساء من الجنسية السورية اللواتي تعرضن للاختطاف والاحتجاز القسري وأجبرن على الزواج من عناصر التنظيم الأجانب (المهاجرون)، والبعض منهن كن على ذمة زوج آخر، واستطاع البحث إثبات ما حصل خلال فترة وجود التنظيم، من خلال شهادات النساء اللواتي تعرضن للاحتجاز القسري والتعذيب النفسي والجسدي، وعبر شهادات أهالي الضحايا أيضاً.
إن ما حصل مع “عائشة” وهي متزوجة من أحد مقاتلي “الجيش الحر” الذي استطاع أن يخرج من قرية قباسين عندما سيطر التنظيم عليها، تاركاً وراءه زوجته وابنه، حيث هاجم عناصر من التنظيم بيت أهلها لأخذها إلى مكان مجهول، وذلك بعد تهديدهم لأهلها لأنها زوجة “مرتد وكافر” (مع العلم أن زوجها كان مسلما، وهي أيضا).
أما “فاطمة وسوزان”، فإن زوج كل واحدة منهن قتل في معارك ضد التنظيم، ورغم ذلك لم تسلما من أجرامه، وأرغمن على ما أسموه “الزواج”، بعد الاحتجاز في مقر “الحسبة”.
هذه الحالات لم تظهر طوال الفترة الماضية رغم الجدل الذي حصل بالكثير من الانتهاكات التي عمد التنظيم على الإدعاء أنها من الدين الإسلامي، وكان يصدر فتاوى ويستشهد بالقرآن والأحاديث النبوية، لكن وسرعان ما ظهرت هذه الحالات من الانتهاكات بحق الإنسانية بعد طرده من ريف حلب الشمالي، وانتهاء وجوده في مناطق شرق الفرات، ما دفع الكثير من النساء إلى الفرار، سواء من كن ضمن صفوف التنظيم، أو من تم اختطافهن و”سبيهن” من جميع الجنسيات.
المعارك الخاسرة التي خاضها التنظيم في مناطق سيطرته أضعفت هيبته، وجعلت من “الخلافة” المزعومة تذهب ربما إلى الزوال، ودفع ذلك الكثير من النساء والرجال الذين كانوا تحت سطوته إلى التحدث عن جرائمه وانتهاكاته، والتي تعددت أنواعها وأشكالها وضحاياها، ومنها ما وثقه هو بنفسه عبر التباهي بها في إصداراته.
تحريض النساء على ترك أزواجهن والهجرة إلى “أرض الخلافة”:
تحت عنوان (لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ) نشرت مجلة “دابق” في يوليو 2015 في عددها العاشر، والتي يصدرها تنظيم الدولة للناطقين بالإنجليزية، مقالا لكاتبته (أم سمية المهاجرة) تخاطب فيه من وصفتهن بـ”زوجات عساكر الصّحوات” مستشهدة بالآيات القرآنية خلال كتابة مقالها.
اتهمت الكاتبة في مقالها نساء عناصر “جبهة النصرة” والفصائل الأخرى المعارضة بالزنا، واعتبرت أن علاقتهن مع أزواجهن غير شرعية، بحجة أنهم مرتدون وكفار.
قالت “أم سمية”: بِسمِ الله القويِّ المتينِ، والصّلاةُ والسّلامُ على الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تَبعهُم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
“فإنّه وبعد حرب الشّامِ الفاضحة، ولمّا صار أمر العبادِ إلى فسطاطينِ لا ثالثَ لهما، فسطاطُ إيمانٍ لا كفر فيه، وفسطاطُ كفرٍ لا إيمانَ فيه، وتميزت صفوف العبيد، بين مُجاهدٍ في سبيلِ الله -وتلكَ بإذن ربّها الطّائفة المنصورة، والتي لا يضرّها من خالفها ولا من خذلها- وبينَ “مُجاهدٍ” في سبيل مُسمّيات كُثر؛ مدنيّة، وطنيّة، قوميّة، علمانيّة، ديمقراطيّة، واشتراكيّة… إلخ. وكلّها غايات كفريّة ما أنزل الله بها من سُلطان، لن تُوردَ صاحبها إلّا الخزيَ في الدّنيا، ونارا تلظّى يصلاها في الآخرة”
وتابعت بقولها: “نصح وتوجيه لزوجات عساكر الصّحوات، {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون}، وزوجات الصحوات المتعلْمِنين الذين قالوا تصريحا أو تلميحا بتحكيم الديمقراطية، أو سيادة الشعب، أو تبادل السلطة، قال الله تعالى {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}، وزوجات الصحوات المتمسحين بالإسلام الذين نصبوا نحورهم دون إخوانهم المتعلمنين، وناصروهم بالنفس والنفيس على الموحدين، قال الله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}”.
يستند تنظيم الدولة في أفعاله على ما يزعم أنها أسس شرعية، وقد دافع عن إيديولوجيته عبر مقالات نشرها في مجلته الإلكترونية “دابق”، كم أنه اعتمد في أغلب الفتاوى على تفاسير وأحاديث “ابن تيمية” و”ابن باز” لتبرير ممارساته التي تخالف الشريعة الإسلامية، ويشار أيضاً، إلى أن “أم سمية” وضعت في مقالها آيات قرآنية وأحاديث، لتبرير الفتوى التي أصدرتها.
كما دعت “أم سمية” زوجات المقاتلين (صحوات) ضد تنظيم الدولة، إلى ترك أزواجهن، حيث استشهدت بقصة زينب بنت محمد عليه الصلاة والسلام، حينما تركت زوجها أبا العاص بن ربيعة لإصراره على الكفر، وعدم الإيمان برسالة النبي عليه السلام.
كما اتهمت زوجات عناصر الفصائل المعارضة والإسلامية باللامبالاة تجاه العقيدة الإسلامية، قائلة في مقالها: “ومن نساءِ عساكرِ الصّحوات من لا تُبالي بحال زوجها عقديًّا وإيمانيًّا، فلا يهمّها إن باتَ على إسلامٍ وأصبحَ على كفر، تراه يسبحُ في بحور الردّة ولا تكترث، ومنهنّ من تكون على علمٍ بكفره ولكنّها باقية معه لأنّها تخشى بطشه، ومنهنّ من توافقه في كلّ ما يفعل ويعمل بل لعلّها تدعمه وتشدّ أزره”.
وأضافت: وأيُّ خوفٍ هذا الذي يحملُكِ على البقاء مع رجلٍ لا يحلُّ لكِ ولا تحلّين له تحتَ سقفٍ واحدٍ؟ بل وتُنجبينَ منه! تُنجبينَ من رجلٍ مُرتدٍّ أجنبيٍّ عنكِ! واللهِ إنّه من الواجب على المُسلمة أن يكون زوالُ الدّنيا بأسرها أهونُ عندها من البقاءِ على ذمّةِ رجلٍ عدوّ لله ورسوله والمؤمنين.
وتقول: “كم أتساءلُ بيني وبينَ نفسي؛ أليسَ بينَ نساءِ هؤلاءِ الطّواغيتِ وعساكرهم امرأةٌ رشيدةٌ؟ أليس بينهنّ آسية؟! نعم آسية بنت مُزاحم زوجة فرعون، آسية التي نزلَ فيها قرآنٌ يُتلى ويُزكّيها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.
وفي المقال وجهت رسالة إلى زوجات عناصر الفصائل الإسلامية “الجهادية” قائلة: “لا تظنّي يا هداكِ الله أنّ اللّحية والقندهارية (اللباس الأفغاني الذي يرتديه الجهاديون)، من موانع التّكفير العاصمة لزوجك، فكم من لحية كثّة شربت من كأس الرّدّة حتّى الثّمالة، قد ضحكت عليها العمائم واستخفّت بها، فوالت الكفرة وقاتلت البررة، مكّنها الله مرارا في الأرض فولّت شرعه ظهرها، ولم تحكم بما أنزل ربّها ولو لساعةٍ واحدة”.
وهاجمت بشكل واضح “جبهة النصرة” قائلة:”حتّى الزّانية قتلوها رميا بالرّصاصِ، وقالوا إنّ تُهمتها الدّعارة! يخافون أن يجهروا بالحقّ فيمسهم قرح! تلكَ لحيةٌ تنازلت عن قواعد دينها ومبادئه حتّى انسلخت منه تماما بمظاهرة المرتدين على المسلمين”، في إشارة إلى إعدام “النصرة” امرأة بتهمة “الدعارة”.
كما زعمت “أم سمية” بأن جميع الفصائل المعارضة وحتى “جبهة النصرة”، تفرح في قصف الطيران لبيوت المدنيين قالت في مقالها: “إنّكِ يا هداكِ الله تُعاشرينَ زوجًا رضيَ أن تُحلّق طائراتُ الصّليب في سمائه لتصبّ حممَ الموتِ على المُسلمين، على المستضعفين من الولدانِ والنّساء، وكم فضحت القبضاتُ فرحهم ونشوتهم بقصف التّحالف الصّليبيّ لدورِ المُسلمين، وإنّكِ تخدمينَ زوجًا همّه رضا العرب أو الغربِ أو الشعب لا رضا الربّ، تتعبين وكلّ تعبكِ لأجله سيكون هباءً منثورًا!
وجاء في مقال “أم سمية” تحريض على الهجرة إلى “أرض الخلافة” كم كانت تزعم، في رسالة تدعو زوجات المقاتلين في الفصائل المعارضة إلى أن يعملن على نصح أزواجهن وتخويفهم من الله (تعالى) وتذكره به، قائلة:
أن تنصحي زوجكِ وتُخوّفيه الله (تعالى) وتُذكّريه به، فإن هو ارعوى وتاب وأناب، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإن هو استكبر وأخذته العزّةُ بالإثمِ فعليكِ هجره في الدّنيا لتفوزي في الآخرة، وإنّي من هنا، من ربوع دولةِ الخلافة المُباركة أدعوكِ للهجرة إلينا! ألا تُحبّينَ الله ورسوله؟ ألا تودّينَ العيشَ فوقَ أرضٍ لا حكم يعلوها إلّا حكمَ الله (عزّ وجلّ)؟ هلمّي إذن ويمّمي بطرفكِ نحو دار الإسلام وأذكّركُ بوجوبِ الهجرةِ المُتعيّن على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ من دار الكفر إلى دار الإسلام.
وفي نهاية المقال دعت الكاتبة جميع النساء بعدم التردد في الهجرة إلى “أرض الخلافة” قائلة:
“لا تنتظري أن تسبقكِ فلانة وفلانة من نساء الصحوات بالهجرة، بل كوني قدوة وأسوة لهن جميعا، وما أعظمه من شرف أن تكوني الأولى؛ وقد اختلف السلف في التنصيص على الأولى في الهجرة الأولى؛ فقالوا: أوّل مهاجرة من النساء أمّ سلمة، وبعضهم قال: بل ليلى بنت خيثمة زوج عامر بن ربيعة”.
رابط العدد العاشر من مجلة “دابق” 2015 من صفحة 42-48
https://archive.org/details/Dabiq10_20150713_2226
من هي “أم سمية المهاجرة” ؟
هي أكثر نساء الدولة شهرة وإثارة للجدل ولا يُعرف اسمها الحقيقي ويُرجح بأنها أوربية من أصول مغاربية وتحديداً “تونس”، وكتبت في مجلة “دابق” مقالاً بعنوان: “لا هنّ حلٌّ لهم ولا يحلون لهنّ”. أكدت فيه على كفر فصائل المعارضة السورية وطالبت زوجات مقاتلي الفصائل وجبهة النصرة بترك أزواجهنّ بذريعة أن الكفر يوجب التفريق بين الأزواج وتعتبر بقائهنّ مع أزواجهن نوع من الزنا، وأيضاَ كتبت (مقالا) بعنوان: “سبايا أم عاهرات؟” وصفت خلاله “السبي” بأنه سنة نبوية عظيمة، كما أبدت انزعاجها من بعض أنصار التنظيم الذين هاجموا “السبي” واعتبروه اغتصابا للنساء.
القائد العسكري الذي ناد على القبضات سوف نسبي نساء “الجيش الحر”
أحمد جاد من مواليد 1983 السويس، حاصل على بكالوريوس في نظم المعلومات والكمبيوتر من “الأكاديمية الحديثة” في المعادي، كان يعيش في منطقة حوض في السويس مع أسرته التي تتكون من ثلاثة أشقاء، اثنان منهم أولاد يعملان في إحدى الدول العربية بالإضافة إلى بنت واحدة متزوجة وتعيش مع زوجها في السويس.
ومع اندلاع الثورة السورية ودخول العديد من المهاجرين من الجنسيات العربية والأجنبية، وفي عام 2014 دخل أحمد جاد مع أربعة من أبناء خالته إلى مدينة جرابلس وانضموا في صفوف تنظيم الدولة، وذلك بعد أن فشلوا في دخول غزة في فلسطين.
لقب أحمد جاد بـ”أبو جندل المصري”، أو “أبو معاذ”، وكان يشغل منصب قيادي عسكري ضمن صفوف التنظيم، شارك بمعارك عدة ضد الجيش الحر، كما أعدم الكثير من عناصر “الحر”
كان “أبو جندل” قائد العمليات في مطار منغ العسكري،وحسب شهود من عناصر الجيش الحر الذين قاتلوا التنظيم في مدينة الباب عام 2015، فإن “أبو جندل المصري” كان ينادي على القبضات أنه سوف يقوم بسبي نساء “الجيش الحر” في حال دخول التنظيم إلى المنطقة، وفي أواخر عام 2016 تلقت أسرته نبأ مقتله في محافظ الرقة، إثر غارة شنتها قوات التحالف الدولي.
وبحسب مجموعة من أصدقائه، فإن الشاب أحمد جاد لم يكن له أي نشاط ديني أو سياسي خلال فترة تواجده في السويس، وهذا الأمر أثار الدهشة الشديدة للأشخاص المقربين منه.
الانتهاكات ضد النساء
تعرضت النساء في المحافظات التي سيطر عليه التنظيم عام 2014 إلى انتهاكات جسيمة تعددت فيها طرق التنظيم بتعذيب النساء، حيث استخدم عناصر من التنظيم الترهيب والقتل كأسلوب يتخذه لتطويع نساء هذه المحافظات.
النساء اللواتي تواجدن داخل المناطق الخاضعة للتنظيم خلال سنوات مضت، كن ضحية مجرمين كثر، التنظيم أبرزهم بالطبع، لكنه بالمقابل ليس الوحيد، والشيء الأهم، أن الجريمة بحق الضحية ما زالت مستمرة، لكن كيف؟.
التنظيم مارس أنواع عدة من الاضطهاد بحق المرأة في مناطق خضعت لسيطرته، لكن الملاحظ أن هذه التجاوزات من قبل التنظيم ترتفع نسبتها في المناطق التي يكثر فيها عناصره من الجنسيات غير السورية سواء العرب منهم أو الأجانب، بينما تقل حدتها داخل مناطق يغلب على عناصرها الطابع المحلي، وذلك لاعتبارات عدة، أهمها أن أبناء المنطقة من المنتسبين للتنظيم، لديهم اعتبارات مجتمعية آنية ومستقبلية تقييده، وهي غير موجودة بطبيعة الحال مع العناصر الأجانب أو ما اصطلح عليهم لقب: “المهاجرون”، ولعل شهادات النسوة خلال البحث تؤكد هذه الحقيقة، فأغلبهم وقعن ضحية لعناصر غير سوريين.
لذلك من الملاحظ ارتفاع نسبة التجاوزات بحق المرأة في مدينة الرقة ذات العدد الكبير من المقاتلين الأجانب، بينما تقل في ريفها، وكذلك الحال بالنسبة لمدن ريف حلب مثل منبج والباب، التي ارتفعت فيها نسبة التجاوزات متزامنة مع وجود أعداد كبيرة من “المهاجرين”، لكنها قلت في مناطق أخرى مثل ريف دير الزور الشرقي، لأن أغلب مقاتلي التنظيم فيها ينحدرون من ذات المنطقة (أبناء مجتمع ريفي)، ويحرصون على عدم الاصطدام مع مجتمعهم المتشدد فيما يتعلق بقضايا المرأة، وبالتالي تجنب الضغوط المجتمعية التي يمكن أن تمارس ضدهم.
من المجرمين الآخرين بحق المرأة في مناطق التنظيم، لا يمكن نكران أن نسبة لا بأس بها من حالات اضطهاد المرأة المتمثلة في “التزويج الإجباري”، وكان للأهل دوراً فيها، إما طمعاً بمال، أو لقناعات دينية مغلوطة، أو للحصول على الشعور بالأمان، من خلال الظن بأن هذا النوع من الزواج يحمي الأهل وابنتهم، وقد يكون الخشية من انتقام عناصر التنظيم من ذكور العائلة التي ترفض تزويج ابنتها، أحد الأسباب التي أدت إلى وجود مثل هذه النوع من الزواج.
المجرم الآخر الذي لا يزال طليقاً، وربما قد يكون الأشد أثراً بحق المرأة، هو النظرة المجتمعية بحق المرأة التي نالها الظلم من التنظيم، وربما امتدادها إلى سنوات وعقود قادمة.
من المجرمين أيضاً، أعداء التنظيم، الذين عمدوا إلى تضخيم ما فعله التنظيم أثناء سنوات “خلافته”، ومن بينها تجاوزاته ضد المرأة، وكل له غايته، رغم أنها حملت الضرر الآني وربما المستقبلي للضحية، ولعل المبالغات الكبير والروايات الكثيرة غير الموثقة التي ليس لها أي درجة من المصداقية لغايات سياسية، وربما دينية وعقائدية، أحد أبرز الأمثلة على ذلك، والتي لا زالت الضحية تتحمل نتائجها حتى الآن.. وربما على المدى الطويل مستقبلاً..
تضييق التنظيم الدولة على نساء السنة :
في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2016، قابلت هيومنرايتسووتش 21 امرأة سُنية مسلمة عربية من منطقة الحويجة العراقية و15 امرأة وفتاة من الأقلية الإيزيدية. هربن جميعا من مناطق خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، وأغلبهن هربن في أواخر 2015. أمضت العديد من الإيزيديات – المختطفات على يد التنظيم أواسط 2014 – أكثر من سنة في الأسر. وصفن تحويلهن قسرا إلى الإسلام واستخدامهن في الرق الجنسي وبيعهن وشرائهم في أسواق العبيد وتنقلهن بين ما يصل إلى 4 عناصر من تنظيم الدولة. وثقت هيومن رايتس ووتش الاغتصاب الممنهج للنساء والفتيات الإيزيديات لأول مرة في مطلع 2015.
https://www.hrw.org/ar/news/2016/04/06/288458
الآثار النفسية والاجتماعية على هؤلاء النساء:
إن الآثار النفسية والاجتماعية ليست فقط على الضحايا، ولكن أيضا على أسرهن ومجتمعاتهن والمجموعات الخاصة بهن، لذلك عرضنا حالات النساء إلى “زهور قهواتي”، المختصة في الدعم النفسي والاجتماعي، والتي تعمل منذُ فترة طويلة مع النساء الناجيات من الحرب، تحت إشراف أطباء نفسيين.
تقول “قهواتي”: “بعد الاطلاع على البحث وحالات النساء، تبين أن جميع النساء يشعرن بالخوف الشديد والمنهك طوال فترة احتجازهن، كما تم احتجاز (مرام) من قبل أهلها خوفا عليها من تكرار تجربة أختها (عائشة)، وتتحدث (فاطمة و تسنيم) عن مدة الاحتجاز التي دامت لأكثر من عام ونصف، تعرضتا خلالها لمعاملة غير إنسانية واغتصاب جسدي وحاولن الانتحار أثناء فترة الاحتجاز.
تقول “فاطمة” ضمن شهادتها، إنها بقيت في الحجز لمدة أسبوع في مكان مظلم لوحدها، وكانوا يأتون لها بوجبتين من الطعام في اليوم، كما تعرضت “تسنيم” للضرب من قبل إحدى نساء “الحسبة” أثناء احتجازها في المدرسة التي كان التنظيم يستخدمها مكان لاحتجاز الأشخاص الخارجين عن سيطرته مع الإشارة إلى أنه استخدم المقرات والأبنية الحكومية والكنائس وغيرها لتنفيذ سياساته وأجنداته.
لم تتحدث الضحايا عن نوعية الطعام الذي كان يقدم لهن، واكتفوا بالكلام عن ظلام المكان واستخدام الضرب والشتائم من قبل لنساء اللواتي يعملون ضمن صفوف التنظيم، تحت مسمى “الحسبة النسائية”.
لا يزال الخوف والقلق يرافق أهالي الضحايا والنساء اللواتي تعرضن للاختطاف، كما أن أهالي الضحايا واللواتي تحدثوا إلينا عما جرى معهن أثناء اختطافهن (سوزان وعائشة) يعانون من أعراض “Grife” وهذا ما يدعى الحزن الشديد المطول، أما بالنسبة “مرام” راوية القصة فهي تعاني من الخوف والعزلة وأيضا الشعور بالدونية، دفع مقدمي الرعاية إلى أن يقومون بحبسها وعزلها طوال فترة وجود التنظيم، ما سبب لها مأساة ومعاناة كبيرة.
تعرضت “فاطمة” لأعراض نفسية نتيجة ما حصل معها من احتجاز لمدة خمسة أيام وتعنيفها واغتصابها، جميع الأعراض النفسية لم تنخفض عند الضحية لأنها حصلت بشكل متتالي، أي أن جلد الذات لم يتحول إلى تقدير الذات، مازالت الأعراض موجودة لديها مما يوصلها لحالة من الاكتئاب نتيجة الضغط الذي تعرضت له خلال الاحتجاز لمدة طويلة، لم تتمكن خلالها الإطلاع على العالم الخارجي، وفقدت التواصل مع المجتمع مما أوصلها إلى التفكير بالانتحار.
وتعاني أيضا “تسنيم” من حالة نفسية مشابهة، شعورها بالدونية وتدني تقدير الذات، وذلك بسبب حالة الاغتصاب التي كانت تتعرض لها، والاحتجاز القسري وإجبارها على ما سمي على انه “زواج”، ما جعل فكرة الانتحار أكثر واقعية.
تضيف “قهواتي”: يأخذ علاج الانتحار بمدة تتراوح بين سنة وسنة ونصف، من آخر فكرة ولدت لدى الضحية وحتى وان كانت مجرد تفكير، من المحتمل أن تكون جدية، هذه السياسة تابعة ل(HQ) التي تعمل وفقاَ السياسة منظمة الصحة العالمية (WHO) وعلى هذا الأساس يجب أن يكون هناك خطط سلامة ومراقبة لعدم وقوعها بأي حالة صدمة، تجنباً لتعزيز الفكرة المسبقة للانتحار.
كما استطاعت “تسنيم” خلق آليات بسبب شخصيتها المتمردة وضبطها لنفسها خلال فترة وجودها مع الجاني، وتأقلمها مع الضغوط الشديدة التي كانت تتعرض لها، دفعها لانتهاز الفرصة الأولى للنجاة والهروب من مكان احتجازها والعودة إلى بيت أهلها كرس لديها الشخصية القوية.
البحث المتواصل من قبل الأم “أم سوزان” عن ابنتها خلق لديها أعراض التوتر والخوف والقلق، بالإضافة للأخبار المتضاربة حول ابنتها زاد لديها أعراض القلق. وأيضاً الأم تشعر بوصمة العار في حال عودة ابنتها، وهذا ما ولد لديها الشعور بالدونية، فالأمهات اللواتي يعشن على الأمل، ويصبح خيبة، تعرضهن لصدمة في البداية.
وتابعت “قهواتي”: إن جميع النساء عزلن أنفسهن في المنزل بعيداً عن المجتمع والأقارب، بسبب عدم تقبل المجتمع لهن وهي نتيجة تعرضهن للصدمة جراء العرف الموجود بالمجتمع، القائل إن غياب النساء عن مجتمعها وأهلها بطريقة مجهولة المصير، هو شيء ينافي عادات المجتمع.
أما عن “فاطمة”، فإن عدم تقبلها في المجتمع، زرع في ذاكرتها بأنها هي المسببة لم حصل لها من مأساة، وهذا ما جعل “جلد الذات” يصاحبها طوال الوقت، ومن الممكن تعود الأعراض بشكل أكبر مرافقة للاكتئاب في حال تم عزلها عن المجتمع وهذا ما يعزز لديها فكرة الانتحار مرة أخرى، كما تحدثت “تسنيم” بأن المجتمع ينظر إليها بصفتها الجانية وليست الضحية، ما ولد لديها الشعور بالدونية،وإذا لم تجد آليات تأقلم للخروج من البيت وتعزيز المهارات التي تمتلكها، من المرجح تعرضها لتوتر وعزلة من جديد.
تقول “قهواتي”: نستطيع القول بأن جميع الحالات لديها (الشعور بالدونية، تدني تقدير الذات) سواء أكانت الضحية أم أهلها، أو حتى مقدمي الرعاية لهذه الحالات، أيضا ولد لهم علة من المجتمع، والشعور بالوصمة لأنفسهم وللمجتمع ككل. ويجب علينا أن لا نساوي بين الجلاد و الضحية، والسعي لتقديم دعم للضحايا، فعند أول عملية دعم سوف يتخلصون بنسبة 50 بالمئة من المعاناة الموجودة لديهن.
وتؤكد “زهور قهواتي”، بأننا كداعمين نفسيين، نستطيع العمل مع الضحايا ومقدمي الرعاية كلا على حدا ومن الممكن دمج الرعاية لهم سوياً، وأيضا التركيز على تقديم الرعاية الصحة المناسبة.
التوصيات:
1- تقديم الدعم النفسي الكامل للضحايا وأسرهن والمجتمع المحيط بهن، لتقبل وجودهن بالمجتمع بعد عودتهن إليه من خلال الدعم النفسي والاجتماعي.
2- تثقيف المجتمعات المحلية للحد من الوصمة بالعار وتشجيع الدعم للضحايا من خلال مناقشات التوعية والمنتديات، ومعالجة قضايا العنف الجنسي على وجه الخصوص.
3- تسليط الضوء على القضايا المجتمعية والبحث لإيجاد حلول لها في حل عدم تقبلها من قبل المجتمع.
4- جلسات نقاش بين الضحايا الذين تعرضوا لمثل هذا النوع من العنف النفسي والجسدي والاغتصاب مع أقرانهن اللواتي تعرضن لذات الشيء في معتقلات النظام الأسد، تحت مسمى “الدعم النفسي للقرائن”
5- العمل ضمن شبكات لتقديم الدعم اللازم للضحايا المختفين قسرياً والمختطفين والذين تعرضوا للانتهاكات من قبل جميع أطراف النزاع في سوريا.
الملحق “قصص النساء”
فيما يلي قصص النساء بشكل تفصيلي عما حدث معهن خلال فترة وجود تنظيم الدولة:
“فاطمة” 27عاماً من قرية تل الحجر ريف حلب الشمالي
تبلغ فاطمة من العمر سبع وعشرون عاماً، زوجة لأحد عناصر الجيش الحر يدعى “عبد المهين” المتوفى في أحد المعارك ضد التنظيم في حلب، وهي أم لطفل يبلغ من العمر ست سنوات، والدها متوفى عام ٢٠٠٥ وأمها لا تزال على قيد الحياة، تتكون عائلتها من شابين وثلاث شقيقات.
تقول “فاطمة”: عندما سيطر التنظيم على بلدة قباسين بعد منتصف عام 2014 استقبله الأهالي بالفرح في رغبةً منهم بأن تحكم قريتهم على “الطريقة الإسلامية”، راجين أن يتخلصوا من حكم الأسد، ولكن في مطلع عام 2015 بعد مضي سنة واحدة على دخول التنظيم، اكتشف الأهالي بأنهم جاؤوا ليحكموا، لا أن يحرروا.
أضافت “فاطمة”: أجبر التنظيم النساء على ارتداء “النقاب” وهي عادة لم تكن منتشرة قبل وجود التنظيم، وأكدت بأن انتهاكات عناصره كانت كثيرة ضد النساء، ومنها الجلد والاعتقال والمضايقات الكلامية والجسدية، استطاع التنظيم تشكيل ما يدعى “الحسبة النسائية” لتتولى مهامها تجاه النساء، والتي قامت بدورها التعسفي في القرية وباقي المناطق الخاضعة لالتنظيم.
حدثتنا “فاطمة” عن ما جرى معها قائلة: “في يوم من الأيام وبينما كنت أسير في السوق لأشتري حاجيات المنزل، يومها لم أكن أرتدي “النقاب”، لاحظت بأن رجلاً يرتدي لباس عناصر التنظيم ولديه لحية طويلة كان يلحق بي للمنزل”.
وتابعت: “بعد أيام جاءت مجموعة من نسوة القرية والمنضويات تحت الحسبة النسائية إلى أمي، وبعد خروجهن سألتها، فأجابت بأنهن جاؤوا يطلبون يدي للزواج لأحد عناصر التنظيم، وهم على أهب الاستعداد لدفع المهر المطلوب، ولكني أجبت بالرفض المطلق فأنا أريد أن أربي ابني فقط”.
ماهي الحسبة النسائية؟
يعتبر جهاز “الحسبة النسائية” من أهم الركائز والأساسيات التي تقوم عليها سياسة التنظيم في كافة مناطق سيطرته في سوريا والعراق، تهتم بالتدخل في حال وجود النساء في مشكلة أو قضية ما إضافةً إلى تطبيق الحدود على النساء وتفتيش البيوت، واقتصرت عضويتها النساء فقط، ومهمتها الوحيدة تفتيش النساء ومراقبتهن واعتقال من ترتكب أي مخالفة شرعية.
تكمل “فاطمة” بعد أسبوعين جاءت سيارة للتنظيم مدججة بالرجال والسلاح و اقتادوا أخي إلى جهة مجهولة، وبعد مغادرتهم أخبرت أمي أن نذهب إلى الحسبة لنسأل عنه، في الحسبة وكنت قد ارتديت “النقاب” خوفاً مما قد يجري، سألنا عن أخي وأنكر الجميع معرفتهم به، ولكن عند مغادرتنا جاء الرجل الذي كان يلحق بي قبل أسبوعين وقال لنا: “بأن أخي مطلوب لتعاونه مع قوات التحالف ولكن أمي حاولت إقناعه بالعدول عن إلقاء هذه التهمة ولكن من دون فائدة، وطلب منا أن نعود إلى المنزل”.
بعد أيام عادت نساء الحسبة إلى منزل فاطمة وأخبرهم بأن الرجل الذي طلب يد ابنتهم على استعداد إن قبلت به أن يخرج ابنهم من السجن، ثم غادرت النسوة، وفي نفس اليوم جاءت سيارة للحسبة فيها عشرة نسوة ومعهن شقيق فاطمة، ألقوه أمام المنزل وأخذوا “فاطمة” وانطلقوا إلى مقرهم.
في المقر أخذها الرجل الذي خطبها لنفسه قبل أيام وكان يدعى “أبو عبد الله المصري”، وأخبرها بعد أن ألقاها في القبو بأنها حلال له لأنها زوجة الكافر كما قال، وضعت فاطمة في الزنزانة لمدة أسبوع وكانوا يأتون لها وجبتين من الطعام في اليوم، وبعد ذلك أخرجها “أبو عبد الله” وأخبرها بأنها أصبحت “حلال” له، وبأن عليها أن تنسى عائلتها، وألا تبكي مجدداً، لكنه لم تستطع التوقف عن البكاء لحظتها، ما جعل “أبو عبدلله”ان يقوم بضربها حتى تسكت.
تقول فاطمة: “عشتُ معه في قرية قباسين في منزل واحد، وقد منعني من التكلم مع أحد، فكرت بالانتحار كثيراً”. وذلك بسبب المعاملة السيئة التي كانت تتلقاها من قبل “أبو عبد الله المصرية” وحزنها على فراق ابنها وعائلتها، “ولكني تراجعت عن هذا القرار من أجل أهلي وابني الوحيد”.
وتابعت: “بعد مضي عدة أشهر اصطحبني إلى محافظة دير الزور وكنت أعيش في مدينة العشارة، كان يحضر أبو عبد الله المال الكثير إلى منزله وقد تمكنت من إخفاء القليل منه، وخلال مدة بقاء في منزله تعرفت على جارة وقد وثقت بها، وفي أحد الأيام تمكنت من الاتصال بأمي عن طريق هاتفها النقال وقد سمعت صوت ابني ولم أستطع أن أتمالك نفسي وبدأت بالبكاء”.
بعد تعرض المدينة لقصف عنيف من قبل طيران التحالف الدولي، قررت الجارة مع زوجها الهروب من الموت المحتم، فأخبرتهم فاطمة برغبتها بالهروب، وبعد موافقة جارتها وزوجها استطاع زوج جارتها اقنع المهرب أن يساعدهم في تهريب فاطمة، وانتظرت حتى خرج “أبو عبدالله المصري” إلى القتال بأحد الجبهات واستطاعت الهرب من البيت.
تقول فاطمة: “ارتديت “النقاب”طوال طريق الهروب الصعب والمتعب إلى أن وصلت لقرية محررة، ولحظتها تنفست الصعداء، ومن تلك القرية اتجهت إلى منزل أهلي حيث التقيت بأمي وابني وباقي عائلتي بعد مضي سنتين ونصف على غيابي، ولكن رغم الألم الذي حل بي فإن المجتمع لا يرحم، نظراتهم لي تقول بأني أنا من تسبب بفعل كل تلك المأساة”.
“سوزان” 18عاماً من قرية بزاعة ريف حلب الشرقي
مريم الخطيب أم لتسعة أولاد منهم ثمانية بنات وولد واحد، زوجها متوفى منذُ عشرة سنوات، تعيش في بيتها بقرية بزاعة ريف حلب الشرقي.
تعمل “مريم” في الأراضي الزراعية حتى تحصل على قوت يومها، فهي تعيش مع ابنتيها ووالدها المسن العاجز يساعدها ابنها الوحيد وهو يعمل في مواد البناء، تتقاضى “مريم” مبلغ يومي 1000 ليرة سورية (2.12 دولار) عن 7 ساعات عمل.
تروي لنا مريم والدة “سوزان”، بأن ابنتها عندما بلغت السادسة عشر من العمر، تزوجت من شاب يدعى “محمد الراغب” الذي كان ضمن صفوف الجيش الحر وقد قتل في أحد المعارك ضد تنظيم الدولة.
تقول “مريم”، إنه في شهر مارس عام 2015 اختطفت ابنتها “سوزان” من قبل نساء الحسبة التابعة للتنظيم وتم أخذها إلى المقر الخاص بالحسبة، ولم نعلم آنذاك أي شيء عنها، لكن بعد مضي عدة أشهر جاء خبر تزويجها لأحد “المهاجرين” ضمن صفوف التنظيم يدعى “أبو قتادة التونسي”
أكملت حديثها قائلة: بان “سوزان” كانت تبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً عندما تم اختطافها، ولم يكن لديها أطفال من زوجها المتوفى “محمد الراغب” بعد مضي سنة على اختفاء ابنتها “سوزان” تواصل معهم شخص لم تفصح عنه وقالت: ادعى بأنه كان يعيش بالقرب من ابنتها، أخبرهم بأن “سوازن” أصبح لديها طفل من المهاجر “أبو قتادة التونسي” وبأنها تعيش في المنطقة الشرقية في سوريا (الرقة – دير الزور).
أضافت الأم “مريم”، بأن جميع ما وصلنا هو عبارة عن إشاعات ولا يوجد دليل على هذا الكلام، اليوم مضى على غياب ابنتها ثلاث سنوات، وقالت بألم وحرقة كبيرة داخلها: “لقد اشتقت لابنتي ولا نعلم أي خبر عنها”.
ومن ناحية أخرى، وحول معاناة النساء أثناء وجود التنظيم، تقول مريم: هناك الكثير من حالات الجلد والتعذيب في الشوارع العامة تقوم بها “كتيبة الخنساء” وأضافت بأن المرأة في ذلك الوقت لا تستطيع أن تقوم بأي عمل، لأن التنظيم يقوم بالاعتداء على النساء، وهذا ما زرع الخوف في قلوب الكثير من النساء، ما دفع أغلبهن إلى التزام المنازل.
وعند الحديث عن عودة “سوزان” ونظرة المجتمع لها، قالت: ” سوف يكون هناك تشديد وتحديد كبير على حركتها من قبل المجتمع، ونحن لا نستطيع أن نسمح لها بالدخول والخروج من المنزل كما كانت في السابق، المجتمع لا يرحم ونحن ضمن بيئة جداً محافظة”
“تسنيم” 21عاماً من قرية دابق ريف حلب الشمالي
“تسنيم” تبلغ من العمر واحد وعشرون عاماً تعيش مع عائلة مكونة من والدها وأختها 12عاماً، وأخاها، أما والدتها فهي متوفية منذُ عام 2012 نتيجة مرض السكري.
تقول “تسنيم”: سيطر على قرية دابق في منتصف عام 2014 والقرى المجاورة، كانت بالبداية هناك انقسامات بين مؤيدين ومعارضين لوجوده، وهناك من كان يقف على حياد تجاه تصرفات التنظيم.
في بداية سيطرة تنظيم الدولة لم يكن هناك الكثير من المضايقات أو التدخلات في شؤون الأهالي، بعد مضي أشهر قليلة بدأ التنظيم بإصدار قرارات مثل اللباس الشرعي الذي فرضه على النساء وان يكون لونه أسود، ومنع التدخين، وهناك الكثير من الأشياء التي حرمها علينا وأيضاً هناك حالات كثيرة من الإعدامات “القصاص” والاعتقالات بحق الشباب.
“تسنيم”كانت تعمل في محل ملابس نسائية في القرية، وبحكم عملها فهي تخرج كثيراً من البيت، والدها رجل كبير في السن، لديه محل صغير (دكان)، وأخاها يعمل في ورشة للعمار بشكل متقطع، وفي بعض الأحيان يجلس في البيت لمدة عشرة أيام، وفي بداية الحراك السلمي في الثورة السورية كان يخرج كثيراً في المظاهرات، لكن نتيجة تردي الأوضاع المادية ترك كل شيء وعاد إلى العمل.
تكمل حديثها “تسنيم” قائلة: قبل أن أقوم بلبس “الدرع”كنت أصادف الكثير من عناصر التنظيم في الشوارع العامة وأشعر بأنهم ينظرون لي بشكل مرعب، وهناك من يراقبني في كل خطوات التي امشيها عند الذهاب والعودة من العمل، أضافت بأن والدها قال لها، إن عليها أن تلبس “الدرع” تجنباً للمشاكل مع التنظيم.
ماهو ” الدرع” الذي فرضه تنظيم “تنظيم الدولة” على النساء؟
هو قطعة من القماش الأسود مؤلفة من ثلاث قطع توضع على الرأس وتنسدل على الوجه لتغطية بشكل كامل مع العينين، ومن شروطه ألا يكون شفافا، فتظهر منه العينين، وقد كان عناصر الحسبة يخالفون المرأة التي لا تلبس الدرع أو اللباس الشرعي.
نتابع “تسنيم”: كان يوم الجمعة الساعة التاسعة صباحاً أتذكر جيداً، لقد طرق باب البيت علينا وقام أخي بفتح الباب، سمعت الحديث الذي كان يدور بينها وبين الرجال كانوا يقولون له: “عليك أن تذهب إلى معسكر التدريب، والتحق به بأسرع وقت”.
بعد أن أغلق أخي الباب عاد وأخبر والدي بما جرى وقال له: بأن عناصر من التنظيم كانوا بالخارج أخبروني بأن علي “التحق بمعسكر التدريب” التابع لهم، وفي يوم الأحد سوف يعودون إلى البيت ليأخذني، طلب والدي من أخي الهرب من المنطقة، أخي لم يكن يحبذ الذهاب إلى المعسكر وكان أيضا خائفاً أن يأتي لنا بالمشاكل، لكن والدي أصر عليه أن يهرب وما كان من أخي إلا أن يخرج من المنطقة، لكن التنظيم بدأ البحث عنه بشكل مستمر، لكنهم بعد مضي فترة، لم يعودوا إلى بيتنا للسؤال عن أخي.
أكملت “تسنيم” قائلة: “في يوم جاء إلى المحل الذي تعمل به ثلاث نساء من الحسبة النسائية التابعة للتنظيم، بدؤوا بتقليب البضاعة، ومن ثم تقدمت إلي إحداهن و سألتني عن عمري، وإن كنت متزوجة أم لا، عندما أجبتها بأنني لستُ متزوجة عرضت علي ان أتزوج أحد الإخوة المجاهدين”.
وتابعت: “لقد شعرت بالصدمة حينها ولم أدرك ما أقول لها، لكنني أخبرتها بأن ابن خالي يريد الزواج مني، لم يكن لدي سوى هذا الجواب لها حتى أتهرب منهن، لكنها لم تبدي أي ردة فعل وخرجن من المحل بدون كلام”.
واستطردت “تسنيم” في حديثها بالقول، إنه بعد مضي أسبوعين على الحادثة الأولى، دخل إلى المحل ثلاث نساء من الحسبة النسائية، وفي الخارج كان يقف رجلين من عناصر التنظيم قاموا باعتقالي من المحل وبدأت بالصراخ والبكاء، لكن إحداهن قامت بضربي، وحاولت إسكاتي وقالت لي: “أنتِ لا تحبين الحلال بل تريدين الحرام”. حاولت أن اعرف ما هي المشكلة وإلى أين أذهب؟ قالوا لي: “سوف تذهبين معنا إلى مقر الحسبة”. وبنبرة حادة أخبرتني أن الأمور هنا ليست “سايبه” حتى تستطيعين أن تقومِ بأشياء منافية للحشمة وللدين الإسلامي وأن تعشقي وتغرمي بابن خالك، “وضعوني في السيارة وتوجهوا إلى محل والدي وقالوا له أن ابنتك معنا سوف نقوم بمحاسبتها، والدي لم يتكلم شيء، لقد صدم بما جرى وجلس في مكانه دون أي حركة”.
أضافت “تسنيم”، أنه تم اختطافها في بداية عام 2016، و وضعوها بإحدى الغرف في مدرسة دابق الإعدادية التي كانت مقراً لـ”الحسبة”، وبقيت خمسة أيام لم يأتي أحد للتحدث معي، سوى لجلب الطعام والشراب، لكن في اليوم الثاني دخلت إلى الغرفة إحدى نساء الحسبة، وقالت لي: “سوف تتزوجين من أحد الأخوة المجاهدين” وهو موجود معنا في الحسبة، أحد الأمراء المهمين يدعى “أبو الزبير التونسي”، وأكملت قولها، بالتأكيد على أنه رآني ويريد أن يتزوجني، عندما سمعت منها هذا الكلام قلتُ لها: “سوف اقتل نفسي ولن أتزوج “، وبدأت بالضرب وتوجيه الشتائم، وبعد قليل جاء “أبو الزبير التونسي” وقال: سوف آتي بعد غد وآخذك.
ومضى يومين وجاء “أبو الزبير”، وقال: “أنا رأيتك وأعجبت بك، وسوف آخذك تعيشين معي في محافظة الرقة، لم استطيع التكلم معه، كانت لغته العربية ثقيلة جداً”.
تكمل حديثها “تسنيم”: بعد وصولنا إلى محافظة الرقة أخذني إلى بيت لنسكن فيه، كان مرتفعاً ضمن بناء في الطابق الثاني، منع عني التلفاز والهاتف والخروج من البيت وحتى على شرفة البيت ممنوع الخروج، أضافت إلى أنه كان يأتي إلى البيت يومين ويغيب مدة أسبوع أو أكثر، وعندما يأتي إلى البيت يجلب معه أغراض وحاجيات البيت تكفي لمدة غيابه.
وعن حياتها مع “أبو الزبير التونسي” قالت: رغم صعوبة الحياة و حرماني من كل شيء وكانت الحياة أشبه بالسجن ويعاملني كجارية أو عبدة، وليس كزوجة، لا استطيع أن اطلب أو أتحدث معه ولا بأي شيء، هو من كان يأمر وينهي، ومع ذلك تقبلت الحياة مع مرور الأيام.
وأكدت “تسنيم”، أنها لم تخرج من البيت سوى مرتين إلى الطبيعة، ولم تعرف بما يحصل في الخارج، أو حتى اسم الحي الذي تسكن فيه.
“أكثر الأشياء التي كانت تزعج “أبو الزبير”هي أنني لا أتقبل حياتي الزوجية معه، وهذا أكثر ما كان يستفزه، لم يكن بيننا أطفال، وهو كان حريص جداً بأن لا يكون هناك حمل”. وتقول “تسنيم” أيضاً، إنها كانت تشعر بأن لديه زوجة ثانية.
في إحدى الأيام دخل “أبو الزبير” إلى البيت وكان على عجلة من أمره، وقال لي: “جهزي أغراضك علينا الخروج من المنطقة”. قلتُ له وتحليت بالشجاعة: “أقتلني وافعل بي ما تشاء، لكني لم اذهب معك إلى مكان آخر”.
لم يعقب على كلامي، لكنه دخل إلى الغرفة واخذ بضع أوراق ومبلغ من المال، وخرج مسرعاً، ولم يغلق الباب وراءه، وتركه مفتوح دون أن يقفله.
تابعت “تسنيم”: لقد ذهلت منذ سنة ونصف عندما أخذني والباب مقفل، جلست مدة ساعتين انتظر أن كان سيعود، لكنه لم يعود، أسرعت ولبست عباءتي وخرجت مسرعة من البيت، وبدأت امشي في الشوارع وادخل بحارة و اخرج من أخرى، ولم أكن اعلم أين أكون، حتى استطعت من إيقاف سيارة أجرة، كان السائق كبير السن من عمر والدي.
قال لي: كيف تخرجين من دون محرم يا ابنتي أين تذهبين؟.
شعرت بالخوف للحظات، لكن قلتُ بيني وبين نفسي يجب أن أكون قوية وهي “موتة” واحدة، كشفت عن وجهي “النقاب” وقلتُ للسائق: “أريد أن تساعدني، فأنا قد استطعت الهرب وأخبرته بما حصل لي”.
اخبرني بأنني مازلت صغيرة، وعلي أن اجلس جانبه، وسوف يأخذني إلى بيته عند أم سعيد وهي زوجته، وبأنها ستقوم بمساعدتي.
لقد أوصلني “أبو سعيد” الى بيته، وهناك تحدثت مع “أم سعيد” بكامل قصتي، قال “أبو سعيد”: “سوف تبقى عندنا ريثما نخرج من الرقة”. وبعد مضى أسبوعين على وجودي في بيت “أبو سعيد” جاء في يوم واخبرنا بأن علينا الخروج من الرقة، المعارك على أشدها بين الأكراد والتنظيم، والأهالي بدأت بالنزوح، كان “أبو سعيد” قام بتجهيز بطاقات شخصية مزورة.
خرجنا في أواخر سبتمبر 2017 من الرقة و أمضينا 5 أيام في الطريق ولا نعلم أين نحن وفي اليوم السادس وصلنا إلى مدينة اعزاز في ريف حلب شمال سوريا.
عندما وصولنا إلى اعزاز شعرت بالأمان والراحة النفسية، وبأن الأمل الذي فقدته منذُ سنة ونصف قد عاد، أخبرت العم “أبو سعيد” بأنني أصبحت قريبة من قريتي، وأرجو أن يأخذني إلى أهلي، بدأت أتذكر طريق البيت حتى وصلنا بيتنا، ورأيت أختي تجلس أمام باب البيت، وقفت السيارة ونزلت مسرعة احتضنتها وأنا ابكي، ونادت على أبي، أخبرته بأنني عدت واحتضني وبدأت بالبكاء.
تقول “تسنيم”، إن نظرات المجتمع لها صعبة جداً وبأنهم يلومونها هي وكأنها ذهبت معه بملء إرادتها، أضافت بأن هناك بعض النظرات من المجتمع ظالمة، هي بنت بيئة محافظة.
علاقتها بدأت تتحول بشكل تدريجي إلى جيدة نوعاً ما مع عائلتها وأقاربها عند حديثها عن ما جرى معها خلال الفترة الماضية.
“تسنيم” تعيش حياتها مع أهلها بعد أن عادت إليهم، وتعمل في نسج الصوف، وتقول: “أطمح أن أصبح معلمة في مدرسة أو ممرضة”. وتتمنى أن تعيش حياة جديدة تستطيع أن تنسى ما حصل معها في وجود التنظيم.
“عائشة” 25عاماً من قرية قباسين مدينة الباب ريف حلب
سيطر التنظيم على مدينة الباب في بداية عام 2014 وبعد مضي سنة من فرض سيطرته بدأ بإصدار القرارات والتحكم بشؤون المدنيين.
عائشة تبلغ من العمر خمسة وعشرون عاماً متزوجة من أحد أبناء عمومها يدعى “محمد”، كان ضمن صفوف الجيش الحر، عندما فرض التنظيم سيطرته على مدينة الباب.
استطاع “محمد” والعديد من أصدقائه، الهرب من بطش تنظيم الدولة متوجهاً إلى مدينة أعزاز، على أمل العودة وذلك خوفاً من القصاص من قبل التنظيم، تاركاً ورائه زوجته وطفله الرضيع.
“عائشة” ابنة عائلة من الطبقة المتوسطة، عدد أفراد عائلتها ثمانية ينقسمون إلى ستة شباب و ابنتين وأمها وأبيها، والدهم يعمل في بيع المحروقات ولديه بسطة لبيع مادة المازوت، وبسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة الصعبة تقول “مرام” وهي الأخت الصغرى، بأنهم ينزحون بشكل دائم لعدم استقرارهم في منزل واحد، بسبب ارتفاع أجور المنازل.
تروي لنا “مرام” ما جرى مع أختها “عائشة” في تاريخ 24/6/2015، عندما “جاء إلى بيتنا أربعة عناصر من تنظيم التنظيم استقبلهم والد “عائشة” وأدخلهم إلى البيت، كانوا يريدون أن يخبرون والدي أن على “عائشة” أن تبرئ نفسها من زوجها “محمد”، وذلك لأنه مرتد وخارج عن الدين الإسلامي كما يزعمون، وقالوا أيضاً، إن ابنتك عندما كانت على ذمة “محمد” كانت علاقتهم عبارة عن زنا وهو كافر، ويجب أن تعلن تركها له، و”نحن سوف نقوم بدورنا تزويجها لأحد الإخوة المجاهدين الذين جاؤوا للدفاع عن الإسلام”. حسب وصفهم.
لكن والدي قال لهم “بأن “محمد” زوج ابنتي كان يصلي وهو رجل صالح”، وما كان إلا أن أحد رجال التنظيم اخرج مسدس وهدد بالقتل كل الذين سوف يدافعون عنه وعن أمثاله، وأن أي شخص يتواصل معه يكون مشابه له أي مرتد وكافر.
في هذه الأثناء كانت أختي “عائشة” تسمع خلسة الحديث الذي يدور بين أبي وعناصر التنظيم، انهارت بالبكاء وبدأت بالصراخ بصوت مرتفع، وقالت لهم إنها لم تعد زوجة “محمد” وهي لا تريد الزواج من أحد آخر، وذلك خوفاً من اعتقال أبيها المسن، خرجوا من البيت بعدها ولم يتكلموا شيء.
بعد مضي يومين عادوا إلى البيت ومعهم أمير يدعى “أبو عبد الرحمن التونسي”، وهو مهاجر، اخذوا أختي “عائشة” ولم نستطيع فعل شيء لها، اكتفينا بالبكاء والصراخ.
أختي “عائشة” كان لديه طفل رضيع لم يكمل السنة من عمره يدعى “عبدالله” وبعد مضي شهرين على الحادثة جاؤوا مجدداً وأخذوا ابنها الذي كان مازال يعيش في بيت جده، ولم نعلم إلى أين أخذوه؟
تقول “مرام”، إن عناصر تنظيم الدولة كانوا يترددون إلى بيوت المدنيين في المنطقة، ويحاولون التغلغل بينهم وغسل أدمغة شبابهم لحثهم على القتال معهم، وإقناعهم بأن الجيش الحر عبارة عن “مرتدين وكفار”،، مؤكدة أن التنظيم جند الكثير من النساء في المدينة.
وعندما بدأت المعارك في مدينة الباب ضد تنظيم الدولة، سارع والدي للحصول على معلومات عن أختي “عائشة”، وهو يسأل عن شخص يدعى “أبو عبد الرحمن التونسي”، لكنه لم يتلقى جوابا عن سؤاله، كان الاحتمال الأكبر لدينا بأن جميع من خرج من مدينة الباب توجه إلى مناطق شرق سوريا (الرقة – دير الزور)
منذُ بضعة أشهر وفي نهاية أكتوبر عام 2017، استطاعت “عائشة” التواصل معنا عبر اتصال هاتفي لم تتجاوز مدته ثلاث دقائق، كانت خائفة جداً وانهارت بالبكاء وأخبرتني أن “أبو عبد الرحمن التونسي” يتعامل معها كأنها جارية أو عبدة، يقوم بضربها كثيراً، لم نعلم خلال اتصالها أنه كان لديها أطفال أو أن ابنها “عبد الله” معها، لكنها قالت لنا، إنها تتنقل بين العراق وسوريا ولا تعرف ما اسم المنطقة التي كانت فيها، وهذا الاتصال الوحيد الذي حصل بيننا منذُ اختطافها.
“مرام” تبلغ من العمر واحد وعشرون عاماً مواليد يناير عام 1995، وهي الأخت الصغرى لـ”عائشة”، وكانت شاهدة على حادثة أختها وتحدثت عما جرى معهم، قائله إنها تعيش مع أهلها، وخلال وجود التنظيم، كان والدها حريص جداً أن لا يراها أحد، خشية من تكرار ما حدث مع أختها، وتقول إن حياتها أقرب إلى السجن في تلك الفترة، ممنوع أن تخرج من البيت، أو تظهر أمام حتى الضيوف.
أكدت “مرام” أنها تحاول أن تعود إلى دراستها التي حرمها منها التنظيم عندما كان متواجدا في المدينة، مشيرة إلى أنها اشترت بعض الكتب المدرسية، لكنها تشعر بالإحباط، لعدم وجود مدارس أو جامعات، وعبرت عن ذلك بالقول: “المستقبل ميت”.
اخبرتنا عندما تحدثنا معها، أن نستعمل أسماء مستعارة خوفاً من المجتمع الذي يعيشون فيه وعاداته وتقاليده، ولأن البيئة محافظة جدا، ولا يجب ذكر ما حصل خوفاً على سمعة العائلة.
استنتاجات:
الاستماع لقصص تلك النسوة اللواتي تعرضن للاختطاف والتعنيف النفسي والاغتصاب من قبل ما يدعو “المهاجرين” التابعين لتنظيم الدولة، قضية خطيرة لا يجب الاستهانة بها.
وإذ يشكل الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والاسترقاق الجنسي، والمعاملة القاسية وغيرها من الانتهاكات المرتكبة أثناء نزاع مسلح، انتهاكات لقوانين الحرب وذلك وفقاً المعاهدة /الاتفاقية النزاعات المسلحة غير الدولية المادة 4 (البروتوكول الإضافي الثاني) والنزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول الإضافي الأول) المادة 76 اتفاقية جنيف الرابعة، “يجب احترام المرأة، والامتناع عن اغتصاب أي امرأة جنسياً أو السماح بذلك”.
يعتبر الدعم النفسي الاجتماعي للنساء اللواتي هربن من تنظيم الدولة خدمة ضرورية وهي غائبة إلى حد ما عن المناطق التي يقطنون بها، وكما اخبرنا أنهن لم يعرض أي منهن إلى العلاج النفسي حتى يستطعن استيعاب التجربة التي حصلت معهن.
و يؤكد القرار 1960 الصادر عام 2010 من قبل مجلس الأمن، على أهمية أن تقوم الدول بزيادة سبل استفادة ضحايا العنف الجنسي من الرعاية الصحية والدعم النفسي- الاجتماعي والمساعدة القانونية وخدمات إعادة الإدماج الاجتماعي الاقتصادي، ولاسيما في المناطق الريفية.
إعداد: رقية عبادي/ مركز الفرات لمناهضة العنف والإرهاب.